عبد الهادي

لا مزيد من المشاغبة

post image 2

ربما من الممتع أن تكون آخر العنقود، الطّفل المدلّل الذي تستمتع العائلة إلى غنائه وتمدحه حتّى ولو كان صوته سيّئًا. لكن ليس إن كنت تسكن في مخيّم، مع عائلةٍ كبيرة وأنتَ بعمر أحفادِ والديك! حينها من الأسهل أن تكون مشاغبًا لتحصل على الاهتمام.

في الحقيقة لا أشعرُ أنّني مشاغب، بل هذا ما يقوله الآخرون عنّي. لكنّ الأمر لا يعنيني، المهم أنّني أستمتع، وأنّهم يهتمون لأمري. تمامًا كما مدحتني امرأة في المخيّم. كنتُ استمتع بالغناء وتقليد نادر الشراري وأتخيّل نفسي وسط جمهورٌ من المصفقين، وكانت هذه الامرأة تهتمّ لأمري.

استمتعتُ بالغناء، والعتابا، وبكلّ ما كان الآخرون حولي يستمعون إليه وأقلّده. حتى صاروا ينادونني لأُسمعهم شيئًا. خاصةً حين يظنّون أنّني بدأت أشاغب، فيشغلونني بالغناء. لم أفكّر بأكثر من التقليد والإطراء لأصير مغنيًّا، ولم أكن أعلم أنّ عليّ تعلّم الكثير لأصير مكان الذين أقلّدهم.

انتقلنا إلى مخيّم آخر، وأخبرتنا إحدى النسوة عن مركز إبداع. كانت فكرةً جديدة، إذ رغم أنّني كنت في العاشرة من عمري إلّا أنّني لم ألتزم في مدرسة من قبل.

صار مركز إبداع مدرستي الأولى. تعلّمت السلّم الموسيقي قبل الأبجديّة، والعزف على البيانو، لكنّ الطبل هو آلتي المفضّلة. كان هذا المكان أكثر شيءٍ مبهر في حياتي. تعلّمتُ الانضباط، وأنّ المشاغبة ليست وسيلة جيّدة للفت انتباه الآخرين، وأنّ حبهم ولطفهم معي أجمل. ومنه انطلقتُ إلى مدرسة حقيقيّة أتعلّم فيها كلّ ما فاتني تعلّمه.

تدرّبنا على الكثير من الأناشيد مع الأستاذ. وبدأت أحفظُ من القرآن الكريم إلى جانب الأناشيد التي سجّلنا منها عدّة كليبات. لكن أكثر التسجيلات مرحًا هي التي يصوّرها المصوّر محمّد الهزّاع لنا بعفويّة، حين أسمعه شيئًا جديدًا حفظته.

أحلمُ أن أصيرَ قارئًا للقرآن الكريم. سأتعلّم وأتدرّب أكثر، أريد أن أتقن فنون الصوت الجميل والنطق السليم. وسأجتهد في تعلّم التجويد، وإتقان التلاوة. أريد أن أقف أمام النّاس وأصلّي بهم بصوتٍ جميل. أن يسمعوا صوتي من بعيد يصدح على المآذن ويناديهم “حيّ على الفلاح”.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *